مدونة سامح العولقي

نحن نهتم بما ينفع الناس

أحكام الصيام من كتاب بلوغ المرام

باب الصيام من كتاب "بلوغ المرام" لابن حجر العسقلاني - شرح مفصل وشامل مع الأدلة من القرآن والسنة


احكام الصيام من كتاب بلوغ المرام



الصيام في اللغة: الإمساك، وفي الشرع: الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية التقرب إلى الله تعالى. وهو ركن من أركان الإسلام الخمسة، فرض في السنة الثانية للهجرة، وله مكانة عظيمة في الدين.

أولاً: وجوب صيام رمضان

1. الأدلة على فرضية الصيام
- من القرآن:
  - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
  - وقوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185].

- من السنة:
  - حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي ﷺ قال: "بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ..." وذكر منها "صَوْمِ رَمَضَانَ" (متفق عليه).
  - حديث طلحة بن عبيد الله أن أعرابياً سأل النبي ﷺ عن الإسلام، فقال: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ"، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ..." وذكر الصيام (متفق عليه).

2. حكم تارك الصيام
- من ترك الصيام جحوداً بفرضيته كفر.
- ومن تركه تكاسلاً مع الإقرار بفرضيته فهو عاصٍ ويجب عليه القضاء والتوبة.

ثانياً: شروط الصيام

1. شروط الوجوب

- الإسلام: فلا يجب على الكافر.
- البلوغ: فلا يجب على الصغير، لكن يُؤمر به إذا أطاقه.
- العقل: فلا يجب على المجنون.
- القدرة على الصيام: فلا يجب على العاجز.

2. شروط الصحة

- النية: لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" (متفق عليه).
  - وتكون من الليل لفرض رمضان، أما النفل فيجوز نهاراً إذا لم يكن قد أكل.
- الزمان المباح: فلا يصح في أيام العيدين.

ثالثاً: أركان الصيام

1. الإمساك عن المفطرات (الطعام، الشراب، الجماع) من الفجر إلى المغرب.
2. النية كما سبق.

رابعاً: مبطلات الصيام (المفطرات)

1. الأكل والشرب عمداً

- قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187].

2. الجماع

- حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً جامع أهله في رمضان، فأمره النبي ﷺ بالكفارة (متفق عليه).

3. التقيؤ عمداً

- حديث أبي هريرة: "مَنْ ذَرَعَهُ القَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ القَضَاءُ" (رواه أبو داود والترمذي).

4. الحقن المغذية

(الخلاف فيها معاصر).

5. الحيض والنفاس

- حديث عائشة رضي الله عنها: "كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ" (متفق عليه).

خامساً: الأعذار المبيحة للفطر

1. المرض:
  - قوله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184].

2. السفر:
  - حديث جابر رضي الله عنه أن النبي ﷺ كان يسافر في رمضان فصام وأفطر (رواه مسلم).

3. الحمل والرضاع:
  - حديث أنس بن مالك: أن النبي ﷺ رخص للحبلى والمرضع أن تفطرا (رواه أبو داود).

4. الكبر والعجز:
  - يُفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً (لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]).

سادساً: سنن الصيام وآدابه

1. السحور:
  - حديث أنس رضي الله عنه: "تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً" (متفق عليه).

2. تعجيل الفطر:
  - حديث سهل بن سعد: "لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ" (متفق عليه).

3. الدعاء عند الفطر:
  - حديث ابن عمر: "كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ" (رواه أبو داود).

4. اجتناب الرفث واللغو:
  - حديث أبي هريرة: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ" (رواه البخاري).

سابعاً: قضاء الصيام والكفارات

1. قضاء رمضان:
  - على من أفطر لعذر (مرض، سفر، حيض).
  - حديث عائشة: "كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ" (متفق عليه).

2. كفارة الجماع:
  - عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً (حديث أبي هريرة المتقدم).

ثامناً: صيام التطوع

1. ستة أيام من شوال:
  - حديث أبي أيوب: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ" (رواه مسلم).

2. يوم عرفة وعاشوراء:
  - حديث أبي قتادة: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ" (رواه مسلم).

3. الإثنين والخميس:
  - حديث عائشة: "كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَتَحَرَّى صِيَامَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ" (رواه الترمذي).

الخاتمة

الصيام مدرسة روحية تربوية، وهو سر بين العبد وربه، وفيه من الحكم العظيمة ما يجعل المسلم يحرص على أدائه كاملاً، مع الالتزام بآدابه وسننه.

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

يتبع في الجزء القادم...


كتاب " بلوغ المرام" - الحافظ العلامه إبن حجر العسقلاني


✍️ بقلم: سامح محمد ناصر العولقي

كل الحقوق محفوظه لموقع مدونة سامح العولقي بالإشتراك مع مدونة قناتك2

التعليقات (0)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إرسال تعليق