باب الجنائز في بلوغ المرام من التكفين الى الدفن
باب الجنائز من كتاب بلوغ المرام من أدلة الأحكام
باب الجنائز من الأبواب المهمة في الفقه الإسلامي حيث يتعلق بآداب التعامل مع الميت من لحظة الاحتضار إلى الدفن وما بعده. وقد وردت فيه نصوص كثيرة من القرآن والسنة تحدد الأحكام والآداب المتعلقة به.
أولاً: أحكام الاحتضار وآدابه
1. تلقين الميت الشهادة
الدليل من السنة:- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" (رواه مسلم).
المعنى:
يُستحب تذكير المحتضر بقول "لا إله إلا الله" لأنه آخر ما يُخرج به من الدنيا، وهو أصل التوحيد.
2. قراءة سورة يس عند المحتضر
الدليل من السنة:- عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يس" (رواه أبو داود والنسائي، وحسنه الألباني).
المعنى:
قراءة "يس" تيسيرًا لخروج الروح وتذكيرًا للمحتضر بالآخرة.
ثانياً: غسل الميت وتكفينه
1. وجوب غسل الميت
الدليل من السنة:
- عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ:
"دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَغْسِلُ ابْنَتَهُ، فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ..." (متفق عليه).
المعنى:
يجب غسل الميت، ويُستحب أن يكون ثلاث غسلات أو أكثر.
2. تكفين الميت
الدليل من السنة:
- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما فِي صِفَةِ تَكْفِينِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:
"كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ" (متفق عليه).
المعنى:
يُكفن الميت في ثلاثة أثواب بيضاء، ويجوز في أقل من ذلك.
ثالثاً: الصلاة على الميت
1. حكم الصلاة على الميت
الدليل من القرآن:
- قال تعالى:
"وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ" (التوبة: 103).
الدليل من السنة:
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ..." (متفق عليه).
المعنى:
الصلاة على الميت فرض كفاية، ومن حضرها فله أجر عظيم.
2. صفة الصلاة على الميت
الدليل من السنة:
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا (رواه البخاري).
كيفية الصلاة:
1. التكبيرة الأولى: قراءة الفاتحة.
2. التكبيرة الثانية: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
3. التكبيرة الثالثة: الدعاء للميت.
4. التكبيرة الرابعة: التسليم.
رابعاً: حمل الجنازة واتباعها
1. فضل حمل الجنازة
الدليل من السنة:
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا فَإِنَّهَ يَرْجِعُ مِنَ الْأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ..." (متفق عليه).
المعنى:
اتباع الجنازة من الأعمال الصالحة التي يُثاب عليها المسلم.
2. النهي عن الجلوس قبل وضع الجنازة
الدليل من السنة:
- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"إِذَا رَأَيْتُمُ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا، فَمَنْ تَبِعَهَا فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى تُوضَعَ" (متفق عليه).
المعنى:
يُستحب القيام للجنازة، ولا يجلس من تبعها حتى توضع.
خامساً: الدفن وآدابه
1. سرعة دفن الميت
الدليل من السنة:
- عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"لَا تَدَعُوا الْمَيِّتَ فِي بَيْتِهِ، وَأَسْرِعُوا بِهِ إِلَى قَبْرِهِ" (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).
المعنى:
يُستحب تعجيل الدفن بعد تجهيز الميت.
2. الدعاء للميت بعد الدفن
الدليل من السنة:
- عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ:
"اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ" (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).
المعنى:
يُستحب الدعاء للميت بعد الدفن لأنه في مرحلة السؤال في القبر.
سادساً: أحكام التعزية والنياحة
1. مشروعية التعزية
الدليل من السنة:
- عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ رضي الله عنها قَالَتْ:
"أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالتَّعْزِيَةِ" (رواه أحمد، وصححه الألباني).
المعنى:
التعزية مشروعة لتسكين قلب المصاب.
2. النهي عن النياحة ولطم الخدود
الدليل من القرآن:
- قال تعالى:
"وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا" (النساء: 29).
الدليل من السنة:
- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ" (متفق عليه).
المعنى:
يحرم النياحة والندب الشديد على الميت لأنه يدل على عدم الرضا بقضاء الله.
الخاتمة
باب الجنائز من الأبواب التي تحتوي على أحكام دقيقة تتعلق بحق الميت وحق الأحياء، وقد بينت النصوص الشرعية من القرآن والسنة كيفية التعامل مع الميت من أول لحظات الاحتضار إلى ما بعد الدفن، مع التأكيد على أهمية الصبر والاحتساب والالتزام بآداب الشريعة في كل هذه المراحل.
والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتاب "بلوغ المرام" - الحافظ العلامه إبن حجر العسقلاني
✍️ بقلم: سامح محمد ناصر العولقي
كل الحقوق محفوظه لموقع مدونة سامح العولقي بالإشتراك مع مدونة قناتك2
التعليقات (0)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق